الأربعاء، 19 أغسطس 2009

الشيخ محمد ناصر الدين الألباني

مولده ونشأته ...

ولد الشيخ محمد ناصر الدين بن الحاج نوح الألباني عام 1333 هـ الموافق 1914 م في مدينة أشقودرة عاصمة دولة ألبانيا - حينئذ - عن أسرة فقيرة متدينة يغلب عليها الطابع العلمي، فكان والده مرجعاً للناس يعلمهم و يرشدهم. هاجر صاحب الترجمة بصحبة والده إلى دمشق الشام للإقامة الدائمة فيها بعد أن انحرف أحمد زاغو (ملك ألبانيا) ببلاده نحو الحضارة الغربية العلمانية. أتم العلامة الألباني دراسته الابتدائية في مدرسة الإسعاف الخيري في دمشق بتفوق. نظراً لرأي والده الخاص في المدارس النظامية من الناحية الدينية، فقد قرر عدم إكمال الدراسة النظامية ووضع له منهجاً علمياً مركزاً قام من خلاله بتعليمه القرآن الكريم، و التجويد، و النحو و الصرف، و فقه المذهب الحنفي، و قد ختم الألباني على يد والده حفظ القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم، كما درس على الشيخ سعيد البرهاني كتاب " مراقي الفلاح " في الفقه الحنفي و بعض كتب اللغة و البلاغة، هذا في الوقت الذي حرص فيه على حضور دروس و ندوات العلامه بهجة البيطار. أخذ عن أبيه مهنة إصلاح الساعات فأجادها حتى صار من أصحاب الشهره فيها، و أخذ يتكسب رزقه منها، وقد وفرت له هذه المهنه وقتاً جيداً للمطالعة و الدراسة، و هيأت له هجرته للشام معرفة باللغة العربية و الاطلاع على العلوم الشرعية من مصادرها الأصلية.

تعلمه الحديث ... على الرغم من توجيه والد الألباني المنهجي له بتقليد المذهب الحنفي و تحذيره الشديد من الاشتغال بعلم الحديث، فقد أخذ الألباني بالتوجه نحو علم الحديث و علومه، فتعلم الحديث في نحو العشرين من عمره متأثراً بأبحاث مجلة المنار التي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا (رحمه الله) و كان أول عمل حديثي قام به هو نسخ كتاب "المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار" للحافظ العراقي (رحمه الله) مع التعليق عليه. كان ذلك العمل فاتحة خير كبير على الشيخ الألباني حيث أصبح الاهتمام بالحديث و علومه شغله الشاغل، فأصبح معروفاً بذلك في الأوساط العلمية بدمشق، حتى إن إدارة المكتبة الظاهرية بدمشق خصصت غرفة خاصة له ليقوم فيها بأبحاثه العلمية المفيدة، بالإضافة إلى منحه نسخة من مفتاح المكتبة حيث يدخلها وقت ما شاء، أما عن التأليف و التصنيف، فقد ابتدأهما في العقد الثاني من عمره، و كان أول مؤلفاته الفقهية المبنية على معرفة الدليل و الفقه المقارن كتاب "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" و هو مطبوع مراراً، و من أوائل تخاريجه الحديثية المنهجية أيضاً كتاب "الروض النضير في ترتيب و تخريج معجم الطبراني الصغير" و لا يزال مخطوطاً.

كان لاشتغال الشيخ الألباني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أثره البالغ في التوجه السلفي للشيخ، و قد زاد تشبثه و ثباته على هذا المنهج مطالعته لكتب شيخ الإسلام ابن تيميه و تلميذه ابن القيم و غيرهما من أعلام المدرسة السلفية. حمل الشيخ الألباني راية الدعوة إلى التوحيد و السنة في سوريا حيث زار الكثير من مشايخ دمشق و جرت بينه و بينهم مناقشات حول مسائل التوحيد و الإتباع و التعصب المذهبي و البدع، فلقي الشيخ لذلك المعارضة الشديدة من كثير من متعصبي المذاهب و مشايخ الصوفية و الخرافيين و المبتدعة، فكانوا يثيرون عليه العامة و الغوغاء و يشيعون عنه بأنه "وهابي ضال" و يحذرون الناس منه، هذا في الوقت الذي وافقه على دعوته أفاضل العلماء المعروفين بالعلم و الدين في دمشق، و الذين حضوه على الاستمرار قدماً في دعوته و منهم، العلامة بهجت البيطار، الشيخ عبد الفتاح الإمام رئيس جمعية الشبان المسلمين في سوريا، الشيخ توفيق البزرة، و غيرهم من أهل الفضل و الصلاح (رحمهم الله ) .

أعماله وانجازاته ... لقد كان للشيخ جهود علمية و خدمات عديدة منها: 1- كان شيخنا -رحمه الله- يحضر ندوات العلامة الشيخ محمد بهجت البيطار -رحمه الله- مع بعض أساتذة المجمع العلمي بدمشق، منهم عز الدين التنوحي - رحمه الله- إذ كانوا يقرؤون "الحماسة" لأبي تمام. 2- اختارته كلية الشريعة في جامعة دمشق ليقوم بتخريج أحاديث البيوع الخاصة بموسوعة الفقه الإسلامي، التي عزمت الجامعة على إصدارها عام 1955 م. 3- اختير عضواً في لجنة الحديث، التي شكلت في عهد الوحدة بين مصر و سوريا، للإشراف على نشر كتب السنة و تحقيقها.

4- طلبت إليه الجامعة السلفية في بنارس "الهند" أن يتولى مشيخة الحديث، فاعتذر عن ذلك لصعوبة اصطحاب الأهل و الأولاد بسبب الحرب بين الهند و باكستان آنذاك .

. 5- طلب إليه معالي وزير المعارف في المملكة العربية السعودية الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ عام 1388 هـ ، أن يتولى الإشراف على قسم الدراسات الإسلامية العليا في جامعة مكة، وقد حالت الظروف دون تحقيق ذلك. 6- اختير عضواً للمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من عام 1395هـ إلى 1398 هـ. 7- لبى دعوة من اتحاد الطلبة المسلمين في أسبانيا، و ألقى محاضرة مهمة طبعت فيما بعد بعنوان "الحديث حجة بنفسه في العقائد و الأحكام" . 8- زار قطر و ألقى فيها محاضرة بعنوان "منزلة السنة في الإسلام". 9- انتدب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رئيس إدارة البحوث العلمية و الإفتاء للدعوة في مصر و المغرب و بريطانيا للدعوة إلى التوحيد و الاعتصام بالكتاب و السنة و المنهج الإسلامي الحق. 10- دعي إلى عدة مؤتمرات، حضر بعضها و اعتذر عن كثير بسبب أنشغالاته العلمية الكثيرة. 11- زار الكويت و الإمارات و ألقى فيهما محاضرات عديدة، وزار أيضا عدداً من دول أوروبا، و التقى فيها بالجاليات الإسلامية و الطلبة المسلمين، و ألقى دروساً علمية مفيدة. 12- للشيخ مؤلفات عظيمة و تحقيقات قيمة، ربت على المئة، و ترجم كثير منها إلى لغات مختلفة، و طبع أكثرها طبعات متعددة و من أبرزها، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، وسلسلة الأحاديث الصحيحة و شيء من فقهها و فوائدها، سلسلة الأحاديث الضعيفة و الموضوعة و أثرها السيئ في الأمة، وصفة صلاة النبي من التكبير إلى التسليم كأنك تراها. 13- و لقد كانت قررت لجنة الاختيار لجائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية منح الجائزة عام 1419هـ 1999م و موضوعها "الجهود العلمية التي عنيت بالحديث النبوي تحقيقاً و تخريجاً و دراسة" لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني السوري الجنسية، تقديراً لجهوده القيمة في خدمة الحديث النبوي تخريجاً و تحقيقاً ودراسة و ذلك في كتبه التي تربو على المئة.

ثناء العلماء عليه ... قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما رأيت تحت أديم السماء عالما بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني . وسئل سماحته عن حديث رسول الله - صلى الله عليه و سلم-: "ان الله يبعث لهذه الأمه على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" فسئل من مجدد هذا القرن، فقال - رحمه الله-: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني هو مجدد هذا العصر في ظني والله أعلم. وقال الفقيه العلامة الإمام محمد صالح العثيمين: فالذي عرفته عن الشيخ من خلال اجتماعي به وهو قليل، أنه حريص جداً على العمل بالسنة، و محاربة البدعة، سواء كان في العقيدة أم في العمل، أما من خلال قراءتي لمؤلفاته فقد عرفت عنه ذلك، و أنه ذو علم جم في الحديث، رواية و دراية، و أن الله تعالى قد نفع فيما كتبه كثيراً من الناس، من حيث العلم و من حيث المنهاج و الاتجاه إلى علم الحديث، و هذه ثمرة كبيرة للمسلمين و لله الحمد، أما من حيث التحقيقات العلمية الحديثية فناهيك به. العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي قول الشيخ عبد العزيز الهده : "ان العلامه الشنقيطي يجل الشيخ الألباني إجلالاً غريباً، حتى إذا رآه ماراً وهو في درسه في الحرم المدني يقطع درسه قائماً ومسلماً عليه إجلالاً له". وقال الشيخ مقبل الوادعي: والذي أعتقده وأدين الله به أن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله من المجددين الذين يصدق عليهم قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) [إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها ) .

وفاته ...

توفي العلامة الألباني رحمه الله قبيل يوم السبت في الثاني و العشرين من جمادى الآخرة 1420هـ ، الموافق الثاني من أكتوبر 1999م، و دفن بعد صلاة العشاء.

موقع الشيخ محمد ناصر الدين الألباني " رحمه الله " http://www.alalbany.net

إعداد ... طلال صالح العلوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق