الأربعاء، 23 سبتمبر 2009

المدينة في العهد العثماني

تم نقل جميع المعلومات هنا من موقع مركز المدينة للبحوث والدراسات وذلك لكونه مرجعًا في كل ما يخص المدينة من دراسات ولتطمين الزائر الكريم بصحة المعلومة التي يقرؤها ، فجزى الله القائمين عليه خير الجزاء .

المدينة والعثمانيون (( 923 ـ 1337 هـ ))
بدأ هذا العهد بإعلان ولاء الحجاز للسلطان العثماني سليم الأول الذي كان في القاهرة بعد أن استولى على مصر وأنهى حكم المماليك، فتوجه إليه وفد من أعيان الحجاز برئاسة ابن شريف مكة وقدم الطاعة للسلطان، ففرح السلطان بذلك ولقب خاقان البر والبحر وخادم الحرمين الشريفين.
ظلت المدينة تابعة لشريف مكة، وأخذ نفوذ أمير المدينة يتقلص بسرعة في مواجهة نائب شريف مكة الذي بدأ يدير الأمور ويستعين برجاله ثم انتهى النفوذ وألغيت إمارة الحسينيين في الربع الأخير من القرن العاشر الهجري ومن جهة أخرى استفادت المدينة اقتصادياً فوصلتها الأموال والمساعدات العينية، وتضاعف عدد الزائرين بانضمام أعداد جديدة من أتباع الدولة العثمانية المترامية الأطراف.


في عام 939 هـ أمر السلطان سليمان القانوني ببناء سور جديد ومعه قلعة حصينة لتكون موقعاً للحامية العثمانية، وازداد عدد المقيمين في المدينة من موظفي الدولة والمهاجرين الجدد، وظهرت تغييرات في البنية السكانية، وتصاهرت العائلات وأصبح تعيين كبار الموظفين من الآستانة، خاصة شيخ الحرم والقاضي و الأغوات (خدام المسجد النبوي) والقائد العسكري والضباط، ورابطت حامية مؤلفة من ثلاث فرق في القلعة، وانتشرت اللغة التركية إلى جانب العربية، وعاشت المدينة في عزلة سياسية بعيدة عن الأحداث وانتهى الصراع على الإمارة كما انتهت سلطة آل مهنا الحسينية، وانتقل كثير منهم إلى القرى والمزارع وانغمس الباقون في العلم والتجارة، وافتتحت عدة مدارس في الأربطة، وازدهر النشاط العلمي في القرن الحادي عشر، ونجت المدينة من الصراعات التي كانت تدور في مكة على الإمارة ولكنها بقيت تابعة لأمير مكة اسمياً.
وفي عام 1040 هـ. اشتد الصراع في مكة على الإمارة ولجأ الشريف زيد بن محسن إلى المدينة وكتب إلى والي مصر يستعديه على خصمه الشريف نامي فأرسل والي مصر ثلاثة آلاف جندي لنصرته وإعادته إلى الإمارة وخرج معه بعض مناصريه من أهل المدينة، ولما تولى الإمارة أحسن إليهم، وساعد على تنظيفها من المفسدين، فنعمت المدينة بالأمن والطمأنينة، وتولى بعده ابنه الشريف سعد عام 1077 هـ وعين نائباً عنه في المدينة فأساء النائب التصرف، وتدخلت الدولة العثمانية بعد أن كثرت الشكاوى ضده فعزلته وسجنته، وكان هذا مظهراً من مظاهر تعدد القوى المتنفذة وتداخلها فقد أصبحت العاصمة العثمانية مرجعاً أخيراً يعزل ويولي ونائب الشريف هو الحاكم الفعلي يتبع شريف مكة وغالباً ما يكون من أبنائه أو أقاربه، وقد يحدث صدام بينه وبين القوة العثمانية، ففي عام 1090 هـ قتل رجال الحامية نائب الشريف بحجة أنه سبَّ الخليفة العثماني وقبل نهاية القرن الحادي عشر وقعت صدامات مع أفخاذ من قبيلة حرب في موسم (الرجبية) وحدثت سيول ضخمة أغرقت المزارع وكادت تغرق بعض الأحياء.
وفي القرن الثاني عشر ضعفت الإدارة العثمانية وتنازعت القوى المختلفة المتحكمة بالمدينة، وحدثت صراعات بين قيادات الفرق العسكرية، كما حدثت صراعات مع قبيلة بني علي، ووقعت خسائر في الطرفين، واشتد الاضطراب وكثر الفساد، وشارك فيه بعض الأغوات الذين لم يشتغلوا بمهمتهم الرئيسية وتأثروا بالأحوال السائدة. مقابل ذلك حاول بعض المصلحين من أهل المدينة تدارك الأمر فتعاهدوا على مواجهة الفساد وبدؤوا يعملون لذلك فأطلق عليهم اسم جماعة العهد. وحدث أن اصطدم بعض الأغوات مع عساكر القلعة وتحول الصدام إلى قتال، وتحصن الأغوات بالمسجد النبوي وأغلقوه وحملوا السلاح وتدخل جماعة أعضاء العهد لإنهاء الفتنة فرفض الأغوات وساطتهم، وأمر القاضي بالقبض على الأغوات المشاركين في الفتنة وفتح المسجد النبوي وتم ذلك فنقم الأغوات على جماعة العهد، واستطاعوا بعد مدة أن يستصدروا أمراً من السلطان العثماني بقتلهم، وقتل بعضهم وهرب الآخرون وانتهت الجماعة.
وفي عام 1184 هـ كثرت الفتن بين عساكر القلعة وهاجم بنو علي المدينة، وكثرت الاضطرابات وازداد الفساد في الجهاز الإداري، فقام موظف صغير في الفرقة العسكرية اسمه حسن كابوس بتحريض الناس ضد المفسدين من كبار الموظفين والضباط، الذين استولوا على شحنات الحبوب المرسلة للمدينة، وقامت الفتنة وحاصر الناس القلعة وأخرجوا المفسدين من المدينة. لكن عساكر القلعة انتقموا بعد مدة واغتالوا حسن كابوس.
وكانت الاضطرابات تهدأ حيناً، وتشتد حيناً آخر ومحركها الأكبر قادة الفرق العسكرية المتصارعون على النفوذ ولكنهم كانوا يتحدون عندما تواجه المدينة خطراً خارجياً من الأعراب وغيرهم، وقد استطاع الشريف سرور حاكم مكة أواخر هذا القرن أن يضعف شوكتهم وقبض على عدد منهم وسجنهم في مكة فاستراحت المدينة منهم وعاد إليها الهدوء والسكينة، وعاشت العقد الأول من القرن الثالث عشر الهجري في أمن وطمأنينة، وقد ساعد هذا الجو على امتداد الحركة الإصلاحية التي قامت في نجد نتيجة التعاون بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأسرة السعودية ودخل بعض الأفراد وأفخاذ القبائل في الدعوة وتجمع عدد منهم في عوالي المدينة وبنوا حصناً كبيراً جعلوه مقراً للدعوة، وعندما اصطدم شريف مكة (الشريف غالب) برجال الدولة السعودية الأولى زحف هؤلاء لتخليص الحجاز من حكم الشريف غالب وحاصروا المدينة فطلب أعيانها الأمان وبايعوا الأمير سعود بن عبد العزيز بن محمد آل سعود فانتهت المرحلة الأولى من العهد العثماني وبدأت مرحلة عهد الدولة السعودية الأولى وذلك في عام 1220 هـ ودخل السعوديون المدينة وأخذوا يطهرونها من مظاهر الشرك والبدع الضالة.
بداية العهد
بدأ هذا العهد بتسلم القوات العثمانية المدينة من جيش محمد علي باشا عام 1256هـ، وانتهى بخروج فخري باشا وقواته وتسليم المدينة للهاشميين عام 1337هـ. أي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية، وكانت الحياة في المدينة أول هذا العهد امتداداً لما كانت عليه في عهد محمد علي باشا ولم يتغير فيها شيء حتى المحافظ (محرم بك) الذي عينه محمد علي باشا استمر في عمله تابعاً للعثمانيين وألحقت المدينة بإعادة شريف مكة إدارياً. وفي عام 1260هـ تولى داود باشا محافظة المدينة، وقام بإصلاحات كثيرة، أهمها: تجديد المسجد النبوي بموافقة السلطان عبد المجيد، واستغرقت عملية التجديد اثني عشر عاماً (1265 ـ 1277هـ)، ومضت الحياة هادئة ورتيبة بقية القرن الثالث عشر الهجري.
وعندما تولى عبد الحميد الثاني السلطة في الدولة العثمانية خص المدينة بعدد من المنجزات، أهمها: محطة الاتصالات اللاسلكية (عام 1318 هـ)، والخط البرقي بين استنبول والمدينة ومحطة الكهرباء العام والخط الحديدي الحجازي القادم من استنبول وبلاد الشام وقد أحدث وصول القطار للمدينة تغييراً كبيراً فيها فقد كثر الزائرون، ونشطت الحركة التجارية، وتوافد المهاجرون من أنحاء العالم الإسلامي فتضاعف عدد السكان في عقد واحد عدة أضعاف، ووصل إلى ثمانين ألف نسمة واستقلت المدينة إدارياً عن مكة وأصبحت تابعة لاستنبول مباشرة، وأسست فيها الجامعة الإسلامية (1330 هـ) ولكنها توقفت بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، وانضمام الشريف حسين إلى الحلفاء في الثورة على الدولة العثمانية، ووقعت قبيل ذلك أحداث متميزة قطعت سكون الحياة وطمأنينتها مدة من الوقت، أهمها: ثورة أهل المدينة على محافظهم علي مرمحين الذي اتهموه بالقسوة والغطرسة. وقد أدت هذه الثورة إلى عزله وقامت ثورة أخرى على المحافظ التالي عثمان باشا، ولكن الإدارة العثمانية لم تستجب لمطالب أهل المدينة بعزله بل عدت الثورة تمرداً وقبض على اثنين وثمانين شخصاً من أعيان أهل المدينة وسجنوا في الطائف عدة أشهر.
المدينة وحركة الشريف حسين
شهدت المدينة أعنف الأحداث وأكثرها ألماً في نهاية العهد العثماني وخلال فترة الحرب العالمية الأولى فقد أحست الدولة العثمانية ـ التي دخلت الحرب مع ألمانيا ضد الحلفاء ـ أن أمير مكة الشريف حسين وأبناءه ينوون الثورة عليها، فأرسلت ضابطاً حازماً لإدارة المدينة هو فخري باشا وزودته بقوة ومعدات وذخائر كثيرة ورغم حيطة فخري باشا استطاع ابنا الشريف حسين: فيصل وعلي أن يستميلا بعض الأفراد وأفخاذ القبائل ويعدا للثورة واستخلاص المدينة من العثمانيين، وفي الموعد المحدد (4شعبان 1334 ـ 5حزيران 1916م) هاجم الموالون للهاشميين بقيادة الأميرين فيصل وعلي مراكز الجيش العثماني في أطراف المدينة. ولكن قوات فخري باشا كانت مستعدة لهم فحصدت منهم العشرات وفشل الهجوم فشلاً ذريعاً وانسحب الناجون بعيداً عن المدينة. تكرر هجوم الهاشميين مرتين دون جدوى ـثم خرج فخري باشا وجنوده يطاردون القوة الهاشمية وانسحب فيصل برجاله حتى وصل إلى ينبع النخل وحوصر فيها. وكاد العثمانيون أن يقضوا عليه ولكن بعض القبائل المجاورة أنجدتهم وهاجمت قوة فخري باشا. كما أن البوارج الإنكليزية قصفت من قرب الشواطئ القوات العثمانية فانسحب فخري باشا بجيشه عائداً إلى المدينة خشية أن تحتلها بعض القبائل من الحلفاء وأعاد تحصينها ووزع جيشه الكبير في أطرافها.ترك فيصل القتال حول المدينة لأخيه وسافر مع القوات المتجهة إلى الشام.
المدينة في الحصار
رابط الشريف علي بن الحسين مع قواته في القرى القريبة لحصار المدينة من بعيد. وبذل فخري باشا جهوداً مضنية في تعزيز المقاومة والصمود، ومواجهة الحصار، والاستعداد لأي هجوم محتمل ودحره، فبنى مراكز مراقبة عسكرية فوق الجبال والتلال وأحاط المدينة بخطوط دفاعية قوية ومد شبكة هاتفية بينها، ونظم الدوريات، وفي الوقت نفسه ضبط الأمن بحزم شديد داخل المدينة، وصادر معظم المواد الغذائية ولا سيما الحبوب وخزنها، كما استفاد من موسم التمر فأمر جنوده بجمعه وضغطه في قوالب صغيرة لتقاوم التسوس. ولتخفيف الضغط على المدينة وزيادة قدرة المقاومين فيها على الصمود بدأ فخري باشا بترحيل العائلات إلى دمشق واستنبول بالقطار، كما نقل ذخائر المسجد النبوي ومكتبة عارف حكمت، وكان الترحيل اختيارياً أول الأمر ثم صار إجبارياً وشتت العائلات وتحول الكثيرون إلى مهاجرين في الشام أو استنبول ومن لم يسافر انتقل إلى مناطق أخرى في الحجاز كينبع ومكة.
وما لبث القطار أن توقف بعد أن نسف جيش فيصل والضباط الإنكليز بعض الجسور التي يمر عليها ودمروا مسافات من الخطوط الحديدية وجاء الشريف عبد الله بقوات إضافية وعسكر في منطقة العيص فاكتمل الحصار حول المدينة. لم تستطع قوات الهاشميين التي تحاصر المدينة أن تقتحمها، ولم تقم أية معركة كبيرة مع قوات فخري باشا المستعدة للمواجهة ولكن الحصار أثر على الباقين من أهل المدينة. وشحت المواد الغذائية وارتفعت الأسعار بشدة وفشت بعض الأمراض لنقص التغذية ولم يؤثر هذا على موقف فخري باشا وضباطه. واستمروا في المقاومة وشجعوا من بقي من أهل المدينة على الرحيل ومرت بالمدينة ثلاث سنوات شديدة القسوة عانى فيها أهلها من الجوع والمرض والفقر أو الهجرة في الآفاق.
نهاية العهد العثماني
انتهت الحرب العالمية الأولى وسقطت عاصمة العثمانيين، ولم تسقط المدينة فقد كان فخري باشا مستعداً للصمود مدة أطول أو القتال، وعندما وقعت تركيا معاهدة الصلح مع الحلفاء أبرق وزير الدفاع إلى فخري باشا ليسلم المدينة إلى الهاشميين، فرفض فخري باشا الأمر واستمر في عناده ومقاومته، فخاطبت استنبول بعض الضباط في قيادة فخري باشا وأمرتهم بعزله وتسلم القيادة وتسليم المدينة والعودة لتركيا، فنفذوا الأمر وسلمت المدينة للقوات الهاشمية في الخامس من ربيع الأول عام 1337هـ، ونقل الجنود إلى ينبع ومنها أبحروا إل تركيا وبدأ المهاجرون من أهل المدينة يعودون إليها وبذلك انتهت المرحلة الأخيرة من العهد العثماني في المدينة المنورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق