الأربعاء، 23 سبتمبر 2009

المدينة في العهد النبوي

تم نقل جميع المعلومات هنا من موقع مركز المدينة للبحوث والدراسات وذلك لكونه مرجعًا في كل ما يخص المدينة من دراسات ولتطمين الزائر الكريم بصحة المعلومة التي يقرؤها ، فجزى الله القائمين عليه خير الجزاء .
العهد النبوي الهجــرة
في نهاية السنة الثانية عشرة للبعثة النبوية، وعلى أثر بيعة العقبة الثانية، التي دعا فيها المسلمون من أهل يثرب (المدينة فيما بعد) رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقية المسلمين في مكة إلى الهجرة إليهم. تهيأت الظروف للهجرة فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى الهجرة للمدينة، ثم تبعهم مع صاحبه أبي بكر الصديق، ووصل إلى قباء أولاً فأقام فيها بضعة أيام وأسس مسجدها، ثم انتقل إلى المدينة ونزل في دار أبي أيوب الأنصاري، وكان أول عمل عمله بعد وصوله هو إنشاء المسجد النبوي وقد خططه بيده الشريفة في المكان الذي بركت فيه ناقته عند وصوله إلى المدينة وشارك في أعمال البناء بنفسه، وبنيت له غرفة ملاصقة في الجهة الشرقية الجنوبية من المسجد، سكن فيها مع زوجته سودة وبناته، ثم بنيت غرفة أخرى عندما تزوج عائشة رضي الله عنها ووصل إلى المدينة كل من استطاع الخروج من مكة من المسلمين وصودرت بعض بيوت المهاجرين، ومنع بعضهم من إخراج أمواله وأخذت منه. ولم يبق في مكة من المسلمين غير المستضعفين والذين يكتمون إسلامهم.


تحولات بعد الهجرة      
بدأت التغييرات الكبيرة في المدينة المنورة، فألغي اسم يثرب وصار المدينة، وطابة، وطيبة... إلخ ونشأ تجمع جديد تآخى فيه المهاجرون والأنصار، وانتهت العداوة بين الأوس والخزرج فأصبحوا أخوة في الإسلام وأسلم عدد قليل جداً من اليهود وتقوقع الباقون في أحيائهم يكيدون للإسلام والمسلمين.
سرايا الجهاد
أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاقب قريشاً لعدوانها على بعض المهاجرين ومصادرة بيوتهم وأموالهم وأن يظهر القوة الجديدة المتنامية للمجتمع المسلم في المدينة، فأرسل في شهر رمضان من السنة الأولى للهجرة سرية من المهاجرين فقط بقيادة عمه حمزة بن عبد المطلب لتعترض قافلة لقريش تسير في طريق الساحل، ثم توالت بعد ذلك سرايا المسلمين في مناطق عدة من الحجاز وأطراف نجد تواجه خصوم الدعوة الإسلامية وتضرب تجمعاتهم قبل أن تتجه إلى المدينة أو تحملهم على الصلح والموادعة وتبلغ الدعوة للقبائل الأخرى. وحققت هذه السرايا انتصارات كثيرة للمسلمين وأحست قريش بذلك وخافت على تجارتها وبدأت تشن حرباً إعلامية بالشعر فاستنهضت شعراءها أمثال عبد الله بن الزبعرى وأبو سفيان بن الحارث وابن خطل وغيرهم لهجاء المسلمين وتشويه صورة الإسلام في أذهان القبائل العربية قبل أن تصلهم الدعوة، وتصدى شعراء المسلمين لهم وخاصة حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك.
غزوة بدر
في رمضان من السنة الثانية للهجرة خرج المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعترضوا قافلة لقريش يقودها أبو سفيان، ولكن أبا سفيان غَيّرَ طريقه إلى الساحل واستنفر أهل مكة، فخرجوا لمحاربة المسلمين والتقى الجمعان في بدر في السابع عشر من رمضان سنة اثنتين للهجرة. ونصر الله رسوله والمؤمنين رغم قلة عددهم وعدتهم فقد كانوا ثلاثمائة وسبعة عشر وكان المشركون أكثر من ألف وأثمرت نتائج النصر ثماراً كثيرة، فقد ارتفعت معنويات المسلمين وعلت مكانتهم عند القبائل التي لم تسلم بعد، واهتزت قريش في أعماقها وخسرت كبار صناديدها وأعمدة الكفر، وأخذت تعد للثأر والانتقام. وبينما كان المجتمع المسلم ينمو ويجتذب إليه بقية قبائل المدينة ومن حولها، كان  مشركو مكة يعدون العدة لموقعة تالية. وخلال سنة تحققت للمسلمين في المدينة عوامل أمن خارجية وداخلية فقبائل غطفان وسليم التي كانت تعد لمهاجمة المسلمين بلغها انتصارالمسلمين في بدر وتحركهم بعد ذلك لضربها، فخافت وتركت ديارها وخلفت غنائم كثيرة للمسلمين، كما أجلي بنو قينقاع إحدى قبائل اليهود لكيدهم بالمسلمين وعدوانيتهم.
غزوة أحد
في شوال سنة ثلاث للهجرة خرجت قريش بثلاثة آلاف مقاتل ومائتي فارس للانتقام من المسلمين وبلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشار الصحابة فأشار بعضهم باستدراجهم إلى المدينة وضربهم في شوارعها، خاصة وأن أهل المدينة أعرف بشوارعهم، ولهم خبرة بحرب المدن اكتسبوها من الحرب الطويلة بين الأوس والخزرج ومال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الرأي ولكن عدداً آخر من الصحابة المتحمسين للجهاد طلبوا مواجهتهم خارج المدينة وألحوا في طلبهم فاستجاب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج بالمسلمين إلى أحد وفي الطريق نكص رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول و ثلاثمائة من أتباعه وعادوا إلى المدينة وتابع المسلمون سيرهم إلى أحد ونزلوا في موقع بين جبل أحد وجبل صغير قربه يسمى جبل عينين، ووضع الرسول صلى الله عليه وسلم الرماة على جبل عينين وأمرهم أن لا يغادروا مواقعهم حتى يأمرهم بذلك مهما كانت نتيجة المعركة، وصف الباقين في  مواجهة المشركين وبدأت المعركة فحاول فرسان المشركين بقيادة خالد بن الوليد اختراق صفوف المسلمين من ميسرتهم فصدهم الرماة، وهجم المشاة والتحم الفريقان وقتل عشرة من حملة لواء المشركين، وسقط لواؤهم ودب الذعر في صفوفهم وبدؤوا في الهرب، وتبعهم بعض المسلمين فاضطربت صفوفهم، ورأى الرماة هرب المشركين فظنوا أن المعركة حسمت لصالح المسلمين فترك معظمهم مواقعهم، ونزلوا يتعقبون المشركين ويجمعون الغنائم ولم يلتفتوا لتحذيرات قائدهم، واستغل خالد بن الوليد هذه الحال فالتف بفرسانه من خلف أحد وفاجأ بقية الرماة على الجبل فقتلهم وهاجم المسلمين من خلفهم، وعاد إليه الهاربون من المشركين فتغيرت موازين المعركة، وانسحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجموعة من الصحابة الذين التفوا حوله إلى قسم من جبل أحد وحاول المشركون الوصول إليه ففشلوا ويئسوا من تحقيق نتيجة أفضل فأوقفوا القتال وركبوا إبلهم وانسحبوا عائدين إلى مكة متوعدين بوقعة أخرى. وتجمع المسلمون فدفنوا شهداءهم وبلغ عددهم سبعين، فيهم حمزة بن عبدالمطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ـ وقد  مثلت بجثته هند بنت عتبة ـ ومصعب بن عمير وآخرون.
ما بعد المعركة
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتيجة معركة أحد قد تجعل أعداء المسلمين من اليهود والمشركين والمنافقين يستهينون بهم فقرر إظهار قوة المسلمين وبأسهم، فأمر في صبيحة اليوم الثاني كل من حضر المعركة أن يخرج معه لمطاردة المشركين، فخرجوا وكان المشركون بعد أن ساروا شوطاً فرحين بما حققوه في المعركة قد توقفوا، وندموا لأنهم لم يهاجموا المدينة ويستأصلوا المسلمين، وهموا بالعودة. فلما بلغهم خروج المسلمين لمطاردتهم خافوا أن يكون المسلمون قد ازداد عددهم فيبطشوا بهم، فأسرعوا السير إلى مكة، ومضى المسلمون حتى وصلوا حمراء الأسد، وبلغهم فرار المشركين، فمكثوا ثلاثة أيام، ثم عادوا إلى المدينة وهم أقوى عزيمة على الجهاد. استمرت الحياة في المدينة المنورة في خطين متوازيين:الخط الأول: خط الدعوة وتعميق الإيمان في قلوب المسلمين، وكان يتمثل في تجمع الصحابة حول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذون منه شرائع دينهم ويتعلمون السلوك الإسلامي ويدعون من لم يسلم بعد من أهل المدينة وما حولها إلى الإسلام.الخط الثاني: مواجهة خصوم الإسلام والمسلمين في غزوات وسرايا يجاهد فيها المسلمون ما وسعهم الجهاد سواء في ضواحي المدينة أو في مناطق بعيدة تتجمع فيها قبائل تهدد المسلمين، ونتيجة لذلك تخلصت المدينة من ثاني قبيلة يهودية هم بنو النضير، الذين نقضوا العهد مع المسلمين وحاولوا اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم المسلمون ثم أجلوهم إلى بلاد الشام. وخرجت غزوات وسرايا إلى مناطق في الحجاز ونجد ودومة الجندل فضربت بعض القبائل التي كانت تعد للهجوم على المسلمين، وعلمت بعضها بتوجه المسلمين إليها فهربت قبل وصولهم. وفي السنة الخامسة شهدت المدينة أكبر حدث عسكري في هذا العهد هو غزوة الخندق.
غزوة الخندق
لم تستطع قريش حماية تجارتها الخارجية رغم ماحدث في غزوة أحد، فقد واصل المسلمون غاراتهم على قوافلها وهددوا طرقها من جميع الاتجاهات لذا قرر زعماء قريش القضاء على المسلمين نهائياً وشجعهم على ذلك نفر من بني النضير الذين أجلاهم المسلمون عن المدينة منهم (سلام بن مشكم وحيي بن أخطب) واستنهضوا القبائل الحليفة وحثوهم على المشاركة في الهجوم وتعهدوا بدفع نصف ثمر خيبر لقبيلة غطفان مقابل مشاركتها قريشاً في القتال ووعدوهم بتأليب بني قريظة على المسلمين وتجمعت حشودهم التي بلغت عشرة آلاف مقاتل، ثم تحركت إلى المدينة  في شعبان سنة خمس للهجرة / شباط (فبراير) سنة 627 للميلاد. فبلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشار أصحابه، واجتمع الرأي على التحصن بالمدينة وأشار سلمان الفارسي بحفر الخندق في المنطقة التي يمكن أن يدخل الجيش منها إلى المدينة، وتجمع المسلمون وكان عددهم ثلاثة آلاف مقاتل. وشرعوا يحفرون الخندق وبلغ طوله خمسة آلاف ذراع وعرضه تسعة أذرع وعمقه ما بين سبعة إلى عشرة أذرع. ووزع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين على منطقة الحفر، فكلف كل عشرة من المسلمين بحفر أربعين ذراعاً طولياً. وعمل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وكان البرد شديداً والطعام قليلاً ولكن قوة الإيمان غلبت الجوع والبرد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشد على بطنه حجراً من شدة الجوع ويردد مع صحابته الأهازيج وأثناء ذلك حدثت عدة معجزات، منها معجزة تكثير الطعام والبشارة بفتح الشام والعراق واليمن وإخباره باستشهاد عمار بن ياسر على يد الفئة الباغية. وتم حفر الخندق في ستة أيام، وتوزع الصحابة على امتداده، ونظمت دوريات الحراسة ووصلت جموع الأحزاب ففوجئوا بالخندق وعسكروا خلفه وحاول بعض فرسان المشركين اقتحام الخندق وكان المسلمون لهم المرصاد. وكرروا المحاولة في جمع كبير فدار قتال طويل شغل المسلمين عن أداء صلاة العصر في وقتها. وبعد أيام من بدء الحصار نقض يهود بني قريظة العهد فسيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدوريات لإشعارهم بوجود جيش المسلمين وليمنعهم من الاعتداء على النساء والأطفال. واشتد الحصار ولم يكن هناك سوى التراشق بالنبال ومحاولات فاشلة لاقتحام الخندق، وأثناء ذلك أسلم نعيم بن مسعود الغطفاني وأخفى إسلامه واستطاع أن يوقع بين الأحزاب واليهود، ولذلك لم تخرج قريظة لقتال المسلمين واستمر الحصار أربعة وعشرين يوماً وشعر الأحزاب أنهم لن يحققوا شيئاً. وأخيراً هبت ريح شديدة باردة عصفت بخيام المشركين وأطفأت نيرانهم وكفأت قدورهم فقرروا الرحيل وانسحبوا عائدين إلى بلادهم دون أن يحققوا شيئاً. وقد نزل في هذه الغزوة قوله تعالى (ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً... الأحزاب آية 9) وقوله عز وجل (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً... الأحزاب الآية 25)واستشهد في هذه الغزوة ثمانية من المسلمين وقتل من المشركين أربعة. وكانت آخر مرة يهاجم فيها المشركون المدينة فقد انقلبت موازين القوى وتحقق قوله صلى الله عليه وسلم بعد انسحاب الأحزاب مباشرة (الآن نغزوهم ولا يغزونا) وكان من نتائج هذه الغزوة تخلص المدينة من آخر قبيلة يهودية فيها هي قبيلة بني قريظة التي حاولت الغدر بالمسلمين وهم محاصرون، فقد نزل الوحي يأمر بالتوجه إليهم وقتالهم فانتدب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين لذلك وحاصروهم حصاراً شديداً فطلبوا أن يحكم فيهم سعد بن معاذ فحكم بقتل المقاتلين وسبي النساء والذراري، ونفذ الحكم.أصبحت المدينة بعدها مركز قوة متنامية للإسلام، فآمن معظم أهلها، ومن لم يؤمن أظهر الإيمان نفاقاً وخوفا.ً
غزوة الحديبية
في العام السادس للهجرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه 1600 من المسلمين لأداء العمرة وحاولت قريش منعهم ثم عقدت معهم صلح الحديبية الذي أوقف الحرب وأتاح للمسلمين فرصة الحركة والدعوة بين القبائل وخارج الجزيرة العربية، كما أتاح لهم مواجهة بقية القبائل المعادية دون أن تتدخل قريش وحلفاؤها، واستطاع المسلمون أن يمدوا سلطانهم شمالي المدينة إلى خيبر ووادي القرى، ففتحوا خيبر، وغنموا منها الكثير، وصالحوا أهلها على أن يبقوا فيها، ويعملوا في الأرض بالمشاركة، وللمسلمين إخراجهم في أي وقت، ووادعت المسلمين بقية قبائل المنطقة.
ماقبل الفتح
ازداد عدد المسلمين في المدينة فقد أسلم كل أهلها تقريباً، وهاجر إليها آخرون من مكة ومناطق أخرى ولم يعد المسجد النبوي يتسع للمصلين فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيادة مساحته، فأضيفت إليه أرض مجاورة وامتد العمران ليستوعب الأعداد الجديدة وازدهرت الحياة وتواصل خروج الدعاة والسرايا لنشر الإسلام وتأديب خصومه الذين يقفون في طريق الدعوة أو يعدون للعدوان على المسلمين وكانت معظم السرايا تنجح في مهمتها، فتدخل القبائل في الإسلام أو تهرب أو تصاب بضربة موجعة. وكانت في بعضها تخسر الشهداء كما حدث في غزوة مؤتة حيث سقط عدد من الشهداء قبل أن ينسحب خالد بن الوليد بالمسلمين ولكن الحصيلة العامة كانت لصالح الإسلام والمسلمين، فكانت  قوتهم تتعاظم وحياتهم في المدينة تترسخ في ظلال الشريعة، والوحي يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظم لهم أمور دينهم.
فتح مكة
في السنة الثامنة للهجرة تحقق أكبر فتح للمسلمين وهو فتح مكة المعقل الأكبر للشرك آنئذ. فقد نقضت قريش الصلح الذي عقدته مع المسلمين في الحديبية، ونصرت بعض أحلافها على أحلاف المسلمين، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة آلاف من المسلمين، وحاول بعض زعماء مكة تجنب المواجهة دون جدوى، فقد خرج أبو سفيان إلى المدينة قبل أن يتحرك منها الجيش ليعتذر عما وقع ويؤكد الصلح، ولكنه أخفق في مسعاه، وخرج ثانية عندما اقترب الجيش من مكة، ولم يستطع أن يفعل شيئاً، فأسلم وعاد إلى مكة ليحذر قريشاً من مقاومة المسلمين، وليطلب منهم أن يستكينوا ويلزموا بيوتهم أو المسجد الحرام فيأمنوا على أنفسهم، ووصل الجيش إلى مكة، وحدثت مواجهة محدودة بين القوة التي يقودها خالد بن الوليد وبعض المكيين، وفتحت مكة وأزيلت الأصنام وارتفع الأذان فوق الكعبة، وعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة، ودخلت أعداد كبيرة منهم في الإسلام، وخرجت السرايا لتهدم بقية أصنام الجزيرة العربية، وتابع المسلمون طريقهم شرقاً وانضم إليهم كثيرون ممن أسلموا خلال الفتح أو بعده، وواجهوا قبيلة هوازن في معركة حنين، وهزموها، ثم حاصروا الطائف لبعض الوقت وعادوا إلى المدينة وقد انتشرت كلمة التوحيد في معظم أرجاء الجزيرة العربية.
وفود القبائل من أنحاء الجزيرة إلى المدينة
أصبحت المدينة بعد فتح مكة مركزاً يستقطب القبائل واستقبلت الوفود المتوالية من أنحاء الجزيرة العربية كلها تعلن إسلامها طوعاً، وخرجت سرايا الدعوة إلى تبوك ودومة الجندل واليمن فنشرت الإسلام فيها، وبلغت المدينة بدءاً من السنة التاسعة للهجرة أقصى درجات اتساعها وازدهارها في العهد النبوي.
حجة الوداع
في السنة العاشرة للهجرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج وصحبه آلاف المسلمين من المدينة وما حولها وحجوا معه حجة الوداع واستمعوا لتوجيهاته صلى الله عليه وسلم وهو يودعهم ويستأمنهم على الدين الحنيف. وكان مما قاله في خطبته:        ـ إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.
ـ اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة
ـ تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي.
إلى الرفيق الأعلى
عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحج وأمر بتجهيز جيش إلى الشام بقيادة أسامة بن زيد وقبل خروج الجيش أصابه المرض ثم اشتد عليه فأمر أبا بكر بأن يؤم الناس في الصلاة وما لبث أن لحق بالرفيق الأعلى وذلك في ربيع الأول سنة إحدى عشرة للهجرة وبوفاته انتهت أزهى مرحلة من حياة المدينة مرحلة النبوة التي صارت فيها عاصمة للدولة الإسلامية الناشئة ومركز التوجيه النبوي للمجتمع المسلم، وحملت بفضلها تراثاً عظيماً يبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها مرجعاً للمسلمين، واكتسبت مكانة عظيمة في قلب كل مسلم إلى يوم الدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق